Friday, 25 October 2013

عن الهيمنة، هيمنة الهيمنة، والأناركية الإسلامية


عن الهيمنة، هيمنة الهيمنة، والأناركية الإسلامية
Written By
(Mohamed Jean Veneuse)   محمد
Edited By
Tamer Mowafy & Yasser Abdullah

انظر-ي هنا   ....

http://anarchisminarabic.blogspot.com/2013/10/blog-post.html


من معبد إلى آخر تدفق دمي في صمت أسود. كما لو كنت قد انتحرت، تقاطع الرصاص في ذهني ليلًا ونهارًا، حتى تشتت داخل جمجمتي رائحة بارود فجر دمًا تجلط، وفوضى.

وإذا تبعت قولي هذا بالسلام عليكم أو تلاوة دعاء موسى ﴿رب ٱشرح لي صدري ۝ ويسرلي أمري ۝ وٱحلل عقدة من لساني ۝  يفقهوا قولي﴾ [سورة طه (20) الآيات 25: 28]، أتسمونني إسلاميًا أو تعتبرونني إخوانيًا دون اعتبار واحترام للفرق الشاسع بين الهويتين.
حسنًا إذًا، وللدخول في الموضوع لأن سياق الحديث يتطلب نقاش أمور كثيرة  … وجب التوضيح.

هناك مدارس فكرية عديدة غنية بالهيمنة، أو ما يسمى بال Hegemony في فكر وممارسة وتاريخ الماركسية  -– اللينينية والحركات الاجتماعية بشكل عام (سواء كانت يسارية، إسلامية، أو غيرها)، وشعاراتها (الهيمنة) توجد في كتابات إرنستو لاكلاو Ernesto Laclau  وأنطونيو جرامشي Antonio Gramsci، وقد نقد العديد من الفلاسفة السياسيين مثل Richard JF Day, Taiaiake Alfred, Subcomandante Marcos, Gustavo Esteva, Todd May, Saul Newman, Michel Foucault, Gilles Deleuze & Felix Guattari وكثيرون غيرهم[1] ما يشار إليه بالهيمنة (وهيمنة الهيمنة)، ولكن قبل الحديث عن ما هي هيمنة الهيمنة، تتركز الهيمنة نفسها على “آثار الإشعاع” ( أو الـ Radiation Effects  وهو مصطلح لـجرامشي) وما يمت لذلك بصلة مثل الإجبار والسيطرة والدوغماتية في المجتمعات التي نعيش فيها، ففي النهاية، وعلى الرغم من إن كل فرد في الدنيا يعيش في مجتمع مختلف (أو حتى عالم آخر في ظل نفس المجتمع)، ومع اختلاف الثقافات والانتماءات الدينية وغيرها، فلازال هناك الاستعمار والإمبريالية في العصر الحديث، وهما قد أديا إلى ظروف سياسية واقتصادية متماثلة تربطنا ببعضنا البعض في أنحاء الأرض، ففي كل مجتمعاتنا تم تربية كل فرد منا وتنشئته على اعتبار أنظمة الدولة الوطنية بمثابة الأب والرأسمالية بمثابة الأم، فبسبب اعتبار الرأسمالية مثل الأم تعودنا أن نجعل ونحول كل شيء إلى سلعة تستهلك من الصداقة إلى الحب بما يشمل ذلك من احتضاننا، بوعي أو بلا وعي، منطق الفردية، وبالإضافة إلى تربية الرأسمالية، هناك وجود الدولة الوطنية بمثابة الأب، الذي زرع وأنشأ فينا عشق تملك السلطة وكيفية الانضباط والسيطرة على أنفسنا وعلى الآخرين (بالقوة إذا لزم الأمر) إلى أن أصبحنا كمراكز قيادات فاشية، كل فرد منا جميعًا بمثابة موسوليني صغير مُدرب كرجل شرطة برأي خلاف الآخر، منتشرين في كل مكان في المجتمع، نمارس مراقبة بعضنا البعض، نرفع من نشاء ونهدم من نشاء كما لو كنا آلهة نعيش ونتجول في ساحات كل شيء فيها مُعسكر Militarized  من المستشفيات إلى المدارس إلى العمل، بغض النظر عما إذا كان خاص أم عام، رهنًا للبيروقراطية محاطين بوتر وإطار عالم الدول الوطنية والرأسمالية العالمية.

اسمحوا لي أن أقول إذًا، وباختصار، أن أغلبية الحركات الاجتماعية وخاصة اليسارية في العالم أسره في وقوفها ضد الرأسمالية قد اتسمت بهيمنة الهيمنة، وهذا بغض النظر عن الفارق ما بين الاشتراكيين الثوريين والأناركيين الذي يتمثل في دور الدولة على المدى القصير والبعيد في القيام بثورة إن لم يكن الوصول من خلال خلق الظروف والمناخ للمجتمع كي يثور، فالفرض المركزي والأساسي لهيمنة الهيمنة هو افتراض أن التغيير الاجتماعي الفعال لا يمكن أن يتحقق إلا في وقت واحد وبشكل جماعي، عبر الوطن بأكمله أو مساحة مقاربة.

مرة أخرى، وللتوضيح أكثر، من صفات الهيمنة أنها تركز على تحقيق "نجاح" ثوري وعدالة اجتماعية شاملة في نيتها بالاعتماد على نموذج ومفهوم الدولة كأساس، أي كموقع وجب التركيز عليه للتغير الاجتماعي سواء أكان ذلك من خلال خلق وتنظيم طلائع للاستيلاء على السلطة أو   – في حالة الأناركية   –هدمها بالكامل، وهذا مع الأخذ في الاعتبار إن الأناركية لا تساوي الفوضي أو غياب التنظيم الطوعي بحسب ترجمتها الشائعة إلى العربية كفوضوية، فكما كتبت هبة رؤوف، الأناركية أقرب “إلى مجتمع اللادولة، وبذا أوحت الترجمة بأن المذهب يؤدي للفوضى، وهو اختزال مُخل للفوضوية كمدرسة وفلسفة تراجع مركزية الدولة، وتعلي من شأن الإدارة الاجتماعية القائمة على مركزية الفرد"[2]، والخطأ الشائع (المُتعمد في أحيان كثيرة) يؤدي بالبعض من أنصار هيمنة الدولة الشاملة على كل مناحي الحياة بتصوير الأناركية وكأنها تدعو إلى مجتمع تسوده فوضى السلاح والميليشيات المتناحرة كالصومال أو ليبيا حاليًا، لكن لبناء المجتمع اللاسلطوي علينا فهم طبيعة السلطة نفسها، فطبيعة السلطة هي أنها لا تمارس في الأصل من الأعلى إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الأعلى، فهي توجد بشكل أساسي على المستوى الأفقي وبالتالي توجد داخلنا وفي ممارستنا اليومية وتختلف من لحظة للحظة ومن مكان لمكان: فالسلطة تُتداول دائمًا وباستمرار بين الزوجة والزوج والأقارب في معيشتهم ومنازلهم، بين الأطفال بعضهم البعض في المدارس وما يشمله ذلك من مراجعة الأساتذة والتعديل عليهم، وتتداول حتى بين الغرباء بعضهم البعض من خلال نظراتهم وسلوكياتهم الحزينة والمرحة، أو حتى في نظرة إلى عشب أو زهرة تنبت من بين الرصيف كدلالة على مقاومة بيئة ووجود سابق علينا، والذي كان من الواجب الحفاظة عليه كأمانة في أعناقنا قبل اعتناقنا قيم، سياسات، وأنظمة اقتصاد رجال أوروبا البيض حتى نصبح من أنساب حداثتهم وحضارتهم، وكذلك ما تبع هذا من بدو يتنافسون في بناء ناطحات سحاب على رمز قضيبي، ناطحات سحاب من ذهب أسود رغم أنه من ممتلكات إلهية عامة لجميع البشر أتى على حساب استهلاك عمالة فقيرة مُهاجرة إن لم يكن على حساب بينة وأرض أهدرت، ومازلنا رغم ذلك نتساءل كيف يمكننا، كعرب وكمسلمين، استيعاب العنصرية والطائفية والأنظمة الوطنية  – محدودة الخيال   –التي فرقت بيننا وفُرضت  علينا من الإمبريالية والاستعمار الغربي   – من تشتت هوية وجغرافيا- الذي تقبلناه بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية على مدى قرنين من الزمان، لكن في النهاية طبعًا لا يجب أن تكون هذه مفاجأة لنا، فكل ما نتعلمه من الظلم هو كيفية تكراره تجاه الآخرين ما لم نقرر العمل على إنهاء الروح السلطوية والتصرفات الاستعمارية التي كثفت غريزة الهيمنة والتكبر بداخلنا (وبدون خلط ما يقال هنا بالخطاب الإسلامي الشائع القائم على هوية ضيقة ولا للدفاع عن فكرة الخلافة بوصفها أفضل من الدولة الوطنية كما سأوضح).

بالتالي ولتجنب الخروج خارج سياق الموضوع وللتركيز على ما هو دون شك أجدى وأهم، النقطة الأولى المهمة الواجب أن نضعها في الاعتبار هي أن كلًا من الماركسية–اللينينية والأناركية[3] الكلاسيكية (كفكر وكحركات اجتماعية) منشغلة باستمرار بالكفاح ضد أجهزة الدولة وسيطرة الرأسمالية الليبرالية الجديدة بدلًا من خلق بدائل مختلفة تمامًا لهما وفعل ذلك الآن، فخيال الماركسية–اللينينية وحتى الأناركية الكلاسيكية يتوقع ويعتمد على استجابة غير مسيطرة من ناحية الهياكل المُهيمنة، أو على الأقل أن الدولة الرأسمالية قابلة للتغير الجذري وليس السطحي، وبالتالي وللأسف يتخذ كلاهما من محاربة النظام المهيمن أولوية، بدلًا من أن تتركز  طاقات كل من الاشتراكيين الثوريين والأناركيين في إدهاش أنفسهم ومن حولهم عن طريق اختراع ردود وبدائل (كمدارس ومستشفيات ومراكز اجتماعية مستقلة لاسلطوية) قادرة على إنجاب وخلق عالم آخر بجوار (أي بداخل ولكن في نفس الوقت خارج نظام) الدولة الرأسمالية لتهديد هيمنتها ومؤسساتها بالفعل، ومن الواجب أن يتم ذلك لدعم الجميع ولتحويل أحلامنا إلى واقع دون ضرورة محاربة الهياكل المهيمنة باستمرار، والخروج من حلقة الكفاح الدائم ضد سلطة مؤسسات وأنظمة مسلحة متعلقة بالدولة الرأسمالية (مثل الجيش والشرطة) والقادرين على ارتكاب فظائع بما يصاحب هذه المعارك من يأس ودماء لحماية الدولة ومصالحها الاقتصادية البرجوازية، على عكس هذا النطاق إذًا (أو بمعنى أصح إلى جانب وعلى الرغم من الفوائد التي تأتي من النضال المباشر ضد الدولة الرأسمالية) ما أقترحهُ، مع آخرين ذكرتهم، هو الخيار الآخر، الأوفق والأجدى، والذي على وجه التحديد تقوم به الشبكات القائمة على النشاط الراديكالي والأفقي مثل الحركة الزاپاتية [Zapatistas[4، وهو ما يحفز العناصر المقاومة للاندماج من نظريات ما بعد الاستعمار والنسوية وغيرها.

الهدف من الحركات الاجتماعية لدينا كعرب وكمسلمين ينبغي أن يكون لسحب الطاقة من هيمنة الدولة الرأسمالية الوطنية وجعلها زائدة عن الحاجة، وبالتالي فإن تجديد هيكلة الدولة وفكرة الإصلاح هما قوتان سلبيتان تعملان لاستعمار الحياة اليومية من قبل الدولة الوطنية والشركات، بدلًا من القوة الإيجابية التي تعمل على عكس هذه العملية من خلال المعونة المتبادلة والتنظيم الذاتي بيننا أو ما سماه پيتر كروپوتكين Peter Kropotkin  بال Mutual aid، فكما علمنا كل من جوستاف لانداور  Gustav Landauer وميشيل فوكو Michel Foucault  فالسلطة لا تسري علينا من قبل المؤسسات بالرغم أو حتى من قبل الدولة بدون موافقة المجتمع المدني، بل العكس هو الصحيح، فكلنا يحكم بعضنا البعض عبر شبكة معقدة من العلاقات السلطوية والاستهلاكية وما يضمهم من صراعات.

خلق بدائل من الطبيعي ألا يكون سهلًا وهو يتطلب موارد ومسئولية لا نهائية وأن يكون كل واحد منا على استعداد لأن ينصت، أي أن يتفهم غيره الآخر (والذي هو بحكم التعريف ليس “موجود” أو مفهوم لي، فالآخر أو ال Other هو الواقع الذي لا يجب أن يوجد أو أن يسمع – إذ سيتم الحفاظ على العلاقات السلطوية والقائمة على الهيمنة بيننا  – للتفرقة بين ذاتي والآخر مع أن هويتي مرتبطة بالآخر وتعتمد عليه لتكويني)، إذًا من المقترحات أننا بحاجة إلى فهم أفضل كأشخاص لنا مزايا نسبية مختلفة، نعيش في مجتمعات فريدة، كيف يمكننا العمل “لهدم” أو بشكل أصح التقليل من مميزاتنا بالتعاون ودون تدخل أو مطالبة الدولة أن تفعل ذلك لنا أو بالنيابة عنا، ولكي نخلق هذا المجتمع الجديد (والذي يتم تعريفه من قبل الأصول والسياسات التي نقررها معًا خارج سياسات الهوية)، علينا أن ندرك إن الرد على بعضنا البعض يتطلب على الأقل الصمت، الصبر، المودة والحنان، ويتطلب الحب والهدوء، ومع الأخذ بعين الاعتبار أننا، جزئيًا، نساوي الكلمات التي نستخدمها وأنه قد وضعت في رؤوسنا كلمات دون الحصول على إذن منا، مما يتطلب منا أيضًا أن نتعلم ونفسر كيف نستخدم هذه الكلمات التي نستخدمها والتي ليس هنالك توافق عليها دون معرفة ما نعنيه تمامًا، وذلك بسبب تأثير الاستعمار والاحتلال الذي لم ينتهِ بعد على لغتنا.
مطلوب منا ودون شكٍ المسئولية اللانهائية والتي تتضمن أن نتعلم كيف ننصت ونستمع شيئًا فشيء، فعلى الرغم من أن كل واحد منا لا يمكن أبدًا تمامًا أو بالأصح كليًا بسبب تأثير اللاوعي إن لم يكن أيًضًا بسبب تأثير كثرة المشاعر، وحركات جسد وكلمات الآخر، فعلينا أن نحاول، وبطريق القياس لا يمكن أن يتم هذا التحاور إلا من خلال أصول للاختلاف والضيافة[5] والتي قد كتبت عنها في سياق علمي وعملي المتعلق بهويتي الأناركية والإسلامية في ما أسميته بالأناركية الإسلامية ([Anarca-Islam[6  أو ال Islamatismo) والمتأثر بافكار الزاپاتيستا المسلمين Muslim Zapatistas، أقول كل هذا مع الاعتراف بأن تفسيري الأناركي للإسلام والتأويل الإسلامي للأناركية الذى أسست أساسياته – من خلال اعتمادي على القرآن والسنة – ليس مهتمًا في الأصل بالتشبث بسياسات الهوية المتعلقة بالإسلام والأناركية (مع الإعتراف بأن كل من الأناركية والإسلام متعددان في تفسيراتهما(، وهذا بقدر أن التفسير ذاته يتركز على الأصول والسياسات التي في إيماني يجب تواجدها مع تبني هويات مسلم وأناركي وما يتعلق بهما من نقد لأي نوع من السلطة، أو النظام الرأسمالي، وأي نوع من الظلم متعلق بهما (مثل التحرش والتمييز على أساس الجنس والعنصرية والطائفية، أو حتى التمييز على أساس السن والقدرة  … إلخ)، لذا تفسيري الأناركي للإسلام والتأويل الإسلامي للأناركية معني بإعادة تعريف الإسلام والهوية المسلمة ليس من خلال التركيز على العقائد الدينية Morals ولكن ما هو أهم، وهى الشروط والالتزامات والمفاهيم والممارسات التي تتعلق بالأصول والسياسات  [Ethics and Politics[7  التي ينبغي وجودها كأساس لتعريف روح الهوية المسلمة، الأناركية، أو أي هوية آخرى، ولذلك فإن Anarca-Islam من خلال إجتهادي وإعادة تفسيري للقرآن لا تتبنى فقط مواقف شعارية معادية للرأسمالية أو أي نوع من السلطة (على مستوى الفرد، والمجتمع، والمؤسسات الدينية أو حتى الدولة) ولكنها أيضًا تأسس ممارسات إقتصادية وسياسية  إسلامية وأناركية (غير رأسمالية وغير سلطوية) كبدائل، وبالأخذ في عين الإعتبار، كما قلت، أن التفسير ذاته ضد أي شكل من أشكال التمييز على أساس السن، والقدرة، والجنس إلخ…

المسؤولية اللانهائية إذًا تعني تذكر أنه على الرغم من أن البعض أو الكثير منا قد يكون ملتزمًا حقيقيًا بالنضال ضد الظلم أيًا كان، فالكثير منا أيضًا مستفيد إلى هذه اللحظة من مواقعنا الإجتماعية في الهياكل القمعية ما دامت الهياكل ذاتها قائمة دون خلق بدائل لها، معظمنا لا يتأمل، لا يفكر، أو يجتهد حقًا بمعنى الكلمة على مستوى القراءة أو الممارسة سواء أكان نظريًا أو عن تاريخ التجارب والخبرة أو حتى جهاد النفس خارج المنطق الذي يظن كل واحد منا أنه خبير فيه لدرجة عدم القلق من الآثار التي قد تكون على الإستراتيجيات والتكتيكات والتحليلات التي نختارها ونجادل بها الآخرين إن لم يكن العالم أجمعين، المسؤولية اللانهائية تعني أن تكون على بينة من مميزاتك ومسؤولية نشرها ومشاركتها إلى أقصى حد ممكن مع الآخرين الذين لا يتمتعون بها؛ وهذا يتطلب أن مسؤولية الرجل، على سبيل المثال، تنطوي على الالتزام “بتجاوز” الأصول والتصرفات الأبوية حتى لو للحظات مؤقتة، من خلال الإنصات والاحترام بدلًا من مجرد الاستماع (وإعداد الرد على ما قيل عندما تتحدث النساء)، أو حتى أن يصبح الرجل قادرًا على تقاسم مخاوفه وعواطفه ومشاعره والتعبير عنها علنًا، بدلًا من صفات وخصائص الرجولة به، أكثر من أي شيء، تقتضي المسؤولية اللانهائية التواضع والاعتراف أننا على استعداد لسماع أننا لم نخلق ثورة لا مثيل لها إلى الآن، وأنه بالفعل لا يزال لدينا أمور كثيرة نتعلمها من أناس مرت بتجارب من ثورات قبلنا، إننا لم نصبح ثوريين بعد لأن الفكر الثوري يرتبط بتغيير شروط الوجود الخاصة بك وبغيرك، جسديًا، وعاطفيًا، وعقليًا في إنشاء كائنات ونمط وطريقة حياة جديدة تمامًا، الروح الثورية والثائرة أبعد من مجرد تغييرات على المستوى السطحي لمؤسسات ودساتير وقوانين أو انتخابات من خلال صناديق اقتراع، و ذلك نموذج واحد فقط من الديمقراطية والمختلفة تمامًا عن ما يُدعى إليه هنا وهي الديمقراطية الأفقية اللاسلطوية المباشرة المستمرة حيث لا يوجد حاكم ومحكومين لأننا جميعًا نحكم وجميعنا محكومين من خلال الأصول والسياسات التي نحددها نحن في شوارعنا وبيننا دون وساطة الدولة الرأسمالية. الثورى لا يثني علي نفسه أنه ثورى بتعالي وتكبر دائمًا كما لو أنه غير آمن فيما يقوم به فنحن جميعًا ليس لنا حول ولا قوة إلا من خلال الإجراءات البديلة التي نقوم بها معًا بشكل جماعي والتي لديها القدرة على تحويلنا، وظروف سياساتنا ومجتمعاتنا وإقتصادنا، ومن حولنا.

من ضمن الأوليات أننا بحاجة إلى التغلب على حاجتنا إلى واعتمادنا على الأنظمة الصحية والتعليمية الحالية، يجب علينا أن نأخذ زمام هذه الأمور بأيدينا، بشكل مستقل، دون انتظار الشركات والدولة أن تفعل ذلك لنا، نحن بحاجة” للهروب” من الأنظمة الصناعية الطبية والصيدلية حيث خلق الأطباء والمستشفيات المزيد من الأمراض أكثر من العلاج، نحن بحاجة إلى أن ندرك أننا شبكة من العلاقات، ولسنا مجرد أفراد، هذا هو السبيل لتطوير الحكمة، لا يمكننا في يوم واحد أن نخترع مدارس ومستشفيات مستقلة، ولكن علينا أن نفكر ما معنى الشفاء وأن نعيش في صحة، “أريد أن أعيش بكرامة في بيتي وليس من خلال أنابيب بلا جدوى تطيل حياتي” ، بعض التكنولوجيا بالتأكيد ضرورية،  وهذه ليست دعوى للرجوع إلى البدائية أو التخلي الكامل عن كل التقنيات لكننا بحاجة إلى إعادة تعريف جماعي حول الحياة الصحية، نحن بحاجة إلى إعادة تعريف الجسد والروح لكي نصبح ونتمكن عاطفيًا وعقليًا من تجديد قدرة تغذية  أنفسنا ولنستطع أن نتمرد كل يوم وكل لحظة، يذهب الملايين من الناس إلى الفراش ببطون خاوية وبقية الناس لا تعرف أن أجسامنا مليئة بسم المواد الكيميائية الزراعية، والتي تأتي من طعامنا، فنحن إما خائفين من الجوع أو خائفين من تناول الطعام.

نحن في حاجة إذًا إلى إنتاج طعامنا بأنفسنا وعلينا أن ندرك أهمية التعافي والحكم الذاتي الغذائي في بناء عالم آخر، نحن بحاجة إلى إنتاج الأغذية الخاصة بنا، لنقرر ما نأكل، وكيف نستطيع تنظيم أنفسنا وآخرين لتحديد الطعام الخاص بنا ولغيرنا، كل واحد منا بحاجة إلى أن يسأل نفسه كل يوم، ماذا فعلت لبدء دفع عجلة الإنتاج لمواد غذائية خاصة لي وللآخرين، ودعونا لا نخدع أنفسنا، لأن الشركات، والسوق، والدولة سوف يفعلون كل شيء ممكن لإعاقة التحول والحكم الذاتي، أما بالنسبة للعمل فهو بحاجة لإعادة تعريف، وخاصة فيما يخص اليسار، وريث أصول العمل البروتستانتية، كما وضحها ماكس فيبر في كتابه عن الأصول البروتستانتية والرأسمالية، فقد أصبح العمل والجري وراء المال صنمًا يعبد، فالرأسمالية تعذبنا بالعمل بلا بداية وبلا نهاية ومن أجل من، الأثرياء أو لنطمح كي نكون مثلهم، عبيد النجاح الدنيوي المحدد من خلال مراكمتنا للثروة والمال والسلطة. نحن بحاجة إلى التوقف عن العمل وتنشيط حياتنا والإنخراط في أنشطة تنمي قدرتنا على العيش وبكرامة مع الآخرين، وبلا شك نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن مناهضة الرأسمالية اليوم يجب أن تعني أيضًا مكافحة الفكر والتصرفات الأبوية الملتوية والتي نربطها بالأعضاء التناسلية، نحن بحاجة إلى الإعتراف بأن الرأسمالية مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بالأنظمة الأبوية، نحن بحاجة إلى إعادة إختراع عالم جديد، وخلق أنواع جديدة من المجتمعات لتصفية الأنظمة المتحيزة ضد المرأة وهدم الأبوية التي تتفاقم بفعل عميق في داخلنا فالجنس هو موقع أساسي للنضال الذي نحن بحاجة إلى أن نركز مجتمعاتنا حوله، ومع تأنيث السياسة، التأنيث العملي وليس مجرد اللفظي، ستسترد المرأة تاريخنا لشعوبنا وتجدده، وعلينا أن نلزم أنفسنا بمثل هذه المهمة المحورية، إن المرأة هي الأساس الذي سوف سيأخذنا إلى الأمام وإلى عالم جديد لانستطيع تخيله دونها.

بهذه الروح و خلافا لهيمنة الهيمنة هي سياسة التآلف، سياسة التآلف (أو ما سماه Richard JF Day بالـ politics of affinity)، والمرتبطة بالتخلي عن الخيال الثابت وأن الهويات المستقرة ممكنة أو مرغوب فيها إلا من خلال الأصول والسياسات التي تعرفها، تتطلب أيضًا التخلي عن فكر أن هوية واحدة ممكن أن تكون أفضل من غيرها، سياسة التآلف والمسؤولية اللانهائية المرتبطة بها تتطلب التفاعل مع فكر “أنا هذا وذاك وذلك أيضًا بدلا من أنا هذا أو ذاك؛ فالعكس صحيح، أنا كل شيء ولا شيء؛ أنا كل شيء أنا تفاعلت معه، قبلته ورفضته، وكل شيء لا ولن أعرفه”، بالإضافة إلى ذلك فسياسة التآلف ترفض منطق أن الهويات  ”المتفوقة”  تستحق أكثر مما هو جيد وأقل مما هو سيئ في مجتمعاتنا عن الهويات الأخريات، أو أنه ينبغي أن نعتمد على الدولة وحكمها للتقرير بيننا على من يحصل على ماذا، سياسة التآلف تتطلب التخلي عن فكرة أن الظلم واحد أو أن القضية واحدة؛ مثلًا أن الصراع الطبقي هو أكثر أهمية من نضال آخر مثل القهر بين الجنسين أو صراع العنصر فكلها مرتبطة وذات أولوية متساوية.

وبقدر نجاحنا في تطبيق منطق التآلف، سوف نخوض شرف الوقوف التضامني مع أولئك الذين لا يتمتعون بامتيازاتنا،حقًا من خلال تبني سياسات التآلف فإننا سوف نكون قادرين على توفير البدائل لأولئك الذين سينضمون إلينا في النزوح من النظام الليبرالي الجديد، عندما نبدأ الانفتاح لتقاسم ما بيننا معًا خارج نطاق وسلطة الدولة، و بهذا المنطلق يمكن تحقيق تغيير اجتماعي أكثر مما يضمه من مزيد من الناس عن طريق سياسة التآلف بدلا من الآثار النهائية لمنطق هيمنة الهيمنة والذي يعود جزء من مرجعيته إلى الاشتراكيين اليوتوبيين (Utopian Socialists)، أي إرادة لإنقاذ المجتمع جميعًا أو بأكمله في آن واحد.
ومن هذا المنطلق كان مشروع ميشيل فوكو يقع ضمن ويأخذ ما وراء النظريات الأناركية الكلاسيكية لنقد الدولة، فمن ضمن التقاليد الأناركية في فكر فوكو أنه كان يرى ويعتبر الحياة من دون الدولة واقعة جارية (بين مجموعات مثل ال Zapatistas)، بدلًا من أن يكون هذا الواقع استحالة (كما تدعي الليبرالية)، أو أن يكون هذا الواقع نقطة يوتوبية سيتم التوصل إليها في مستقبل بعيد (كما تدعي معظم التفسيرات الماركسية)، بل العكس صحيح، فنحن قادرين على هذه اليوتوبيا اللانهائية وخلق واكتشاف هذا الواقع الذي ليس بخيال الآن دون الانتظار بالنظر إلى أن المستقبل يصل في كل لحظة، بين جفاف ما كتب وما استوعب وقرأ، وأبعد من ذلك تفوق مشروع فوكو على الأناركية الكلاسيكية في إنكاره إمكانية العيش تمامًا دون علاقات القوة والهيمنة لمجرد أنه لا توجد حرية تامة أبدًا كما أنه لا توجد هيمنة نقية أبدًا؛ فحيثما وجدت سلطة فهناك مقاومة.

وهذه المقاومة ذات أهمية بسبب ما سماه فوكو بال Biopolitics، ففي محاضرة لفوكو في نهاية كتاب “يجب الدفاع عن المجتمع” أو  Society Must Be Defended سنة 1976 ناقش فوكو ال Biopolitics بوصفها تكنولوجيا جديدة للقوة الناشئة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وال Biopolitics في الأصل وسيلة حكم من خلال ما سماه فوكو بال Governmentality، وهي وسيلة حكم تربط فكرة الحكومة الحديثة (كطريقة للتنظيم الإجتماعي والتمثيل بالطريقة الهرمية) مع عملية تأسيس وتشخيص الناس (أو ما يعرف بالـ subjectification) على أساس الجنس والعنصر والقدرة … إلخ، وتحويل الجميع إلى سوق أسهم؛ لدرجة أن في خلال قرنين من الزمان جعلنا من كل شيئ سلعة بما في ذلك أنفسنا، الـ Governmentality هي وسيلة للتأديب والمعاقبة والتمييز والفصل بيننا، فقد بٌنيت جميع مجتمعاتنا الحضارية على أسس المجتمع العسكري بفكرة أن التنظيم العسكري أنجح وسيلة لتنظيم المجتمع وتحقيق الكفاءة الإقتصادية؛ وهذا على غرار ما فعله فريدريك تايلور، في وقت متأخر من القرن التاسع عشر وأطلق عليه اسم “الإدارة العلمية” أو ما يسمى بالـ Scientific Management في عملية تحليل العمل و تقسيم ممارسات المصانع وفق micromovements أو أصغر حركات ممكنة لاستهلاك العمالة بأقصى قدر ممكن وتبسيط الحركات لقدر أكبر من الكفاءة والتحكم والإدارة المركزية، وبالنسبة لهذا المنطق تم ما يمكن أن يسمى بالـ Napoleanic Militarization أو عسكرة جميع هياكل المجتمع المدني من مدارس لسجون لمستشفيات و حتي الأسرة، وكذلك نحن أنفسنا،وكل ذلك تم ما بعد ۱۷۸۹ خصوصًا في ما يخص مصر وما يضمها من تاريخ مع الاحتلال الفرنسي سنة ۱۸۰۱ وما بعدها من خلال دولة محمد علي التي طبقت نفس الأساليب النابوليونية ومن ثم الإحتلال البريطاني حتى عام  1956  (فيُرجى هنا قراءة تفاصيل واهتمام القائد الهولندي موريس دي ناسو Maurice of Nassau بفكر العسكرة لفهم نفوذه وأثره على الفكر الأوروبي حيث طبق بالفعل أساليب لتدريب جنوده في بداية عام 1560 من خلال تحليله للحركة اللازمة لتحميل هدف وإطلاق نار الأسلحة عن طريق الـ micromovements المتعلقة بها، ومن ثم إعادة تصميم الحركات المتناهية في الصغر micromovements لأقصى قدر من الكفاءة ثم فرضها على جنوده عبر التكرار المستمر والإنضباط من ضمن عسكرتهم)، وطبعًا لانستطيع أن ننسى أن الفكرة الأوروبية للدولة الوطنية الحديثة والرأسمالية قد بدأت في نفس الوقت (القرن السادس عشر)، وبدأت في وضع التخصصات (بالنسبة للمدارس والتعليم والسجون والمستشفيات وغيرها) حتى أصبحت هذه التخصصات عمليات تكنولوجية “حديثة” تتخذ هدفها السكان، البشر وغير البشر (أي جميع الكائنات الحية) وبالتالي تحديد ما يعيش وما يموت طبقًا لأغراض الاستهلاك والسوق عن طريق الـ Biopolitics، ولذلك فالـ Biopolitics لها على الأقل 3 مفاهيم مرتبطة معًا ولكن مختلفة في نفس الوقت :

1)      يمكن أن تفهم على أنها تجسيد لتكنولوجيا  القوة، على الأقل، في ثلاثة مجالات أ) الولادة والموت، والاستنساخ وإطالة الأعمار؛ ب) النظافة العامة، والسلامة، والتأمين؛ جـ) البيئة وآثارها على السكان والبيئة غير البشرية.
2)      ال Biopolitics أيضًا تفهم على أنها القوة التي تأخذ حيازة الحياة والموت وهذه السلطة (الـ Biopower) تخلق مجموعة من المشاكل السياسية عمدًا مثل السلطة الذرية والجنسنة والعنصرية التي يتواصل من خلالها استخدام أدوات الاستعمار والإمبريالية المباشرة وغير المباشرة، فالـ Biopolitics مرة أخرى هي القدرة على جعل الحياة أو طلب السماح والموت من سلطة مستهلكة لدى الكل، وتصبح قيمة حياة البشر تختلف وتترواح حسب قدرة الجسد على الانتاج، العنصر، والجنس .. إلخ وقيمة هذا الجسد، وتعتمد الدولة الوطنية على العنصرية والجنسنة على هذا النحو والموجودة “كعادة” في الدول الحديثة لأن الدول الحديثة تكسر مجال الحياة الأفقية لتمتص السيطرة على السلطة جزئيًا إن لم يكن كليًا عن طريق خلق فئات تستهلك وذات مطالب خاصة بها متناثرة، يعطي فوكو مثالًا لذلك النازية حيث سادت قوة القتل والسلطة السيادية في جميع أنحاء الجسم الاجتماعي برمته من خلال لم التناثر تحت غطاء يدعي لنفسه الطهارة ليصبح منتحرًا عن طريق وطنية زائفة، ولهذا السبب حذر فوكو أيضًا من “الدولة الاشتراكية” (القائمة في 1976 كالاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية) لأنها من الممكن أن تشارك في العنصرية وهذا على الرغم من الالتزامات السياسية التي من الممكن أن تدعيها، وعلى الرغم أيضًا من أن ما يسمى “بالدول الاشتراكية” لا وجود لها في الحقيقة، فليس هنالك دولة أو مجتمع لا يعتمد (مهما كان) أو يشارك في عالم الرأسمالية؛
3)      انتقد فوكو بالطبع “state-phobia” ورفض القول أن لجميع الدول نفس الأسس الكاملة ولكنه حدد أن تحرك الدولة هو من قِبَل الاندفاع تجاه أن”تصبح فاشية” وبالتالي فهي قادرة على أن تحولنا جميعًا (من خلال الامتيازات التي نتمتع بها، فيما يتعلق ببعضنا البعض وتأثير فكر الهيمنة ذاته بنا) إلى فاشيين، ولكن يجب الاعتراف بان مناقشة فوكو للـ Biopolitics لا يتطور بالضرورة إلى العنصرية (أو ما يسمى بالمركزية الإثنية Ethnocentricism) فعلى العكس من ذلك تتركز الـ Biopower بالأساس على الاقتصاد السياسي والليبرالية الجديدة والتي تختلف عن الليبرالية القديمة، لأنه في ظل الليبرالية الجديدة (سواء كانت تفهم من خلال مذاهب فرانكفورت وفرايبورغ أو حتى مذهب الشيكاغو عن طريق ما يسمى بالـ OrdoLiberals) فإن السياسة تختفي شبه كليًا وكل شيء يتحول إلى أداة للسيطرة الاقتصادية حيث يتم امتصاص السياسة وما تتضمنها من مصالح، فالولايات المتحدة على سبيل المثال ليست دولة ديمقراطية بل هي حكم النخبة الثرية (أو ما يُسمى بالـ Oligarchic Plutocracy)، مشكلة الـ Biopolitics ليست مسألة في المقام الأول من عيوب الدولة ولكن من أثار الحكوماتية (أي الـ Governmentality) التي تأتي مع أنظمة الدولة لتحد من وظيفة السياسة (في سياق الأزمات الليبرالية)، وتبدو الدولة النازية كاستثناء بقدر ما هي، من قبيل الصدفة، مثالًا على الـ Biopolitics، وكنموذج في وقت سابق على تسميتها كذلك، أو بعبارة أخرى تبدو مثالًا في الطريقة التي أصبحت فيها دولة تنتحر؛ ربما يكون في هذا المثال كلمة للحكماء من هؤلاء المصريين الذين يسمون أنفسهم ثوريين والذين يرفعون العلم المصري وهم يهتفون شعارات “مصر فوق الجميع” و” ارفع راسك فوق إنت مصري” على الرغم من أنها تنطوي على تمييز عنصري ضد أناس آخرين، كالنوبيين والسوريين والفلسطينيين، وكأن الهوية المصرية وجغرافية مصر لم تتغير على مر العصور، وفي حقيقة الأمر، فحتى أصغر الأوطان لن تعرف أبدًا معظم مواطنيها الأعضاء، أو تعرف الوفاء بهم، أو حتى الاستماع إليهم، فيأتي هذا الفكر “الخيالي” والاستعماري الأبوي ليربط أذهان كل حياة به ليشعره بصورة ما بالتواصل، فقد جادل مفكرون مثل بنديكت أندرسون وتوم نيرن بأن الوطنية “ليست صحوة الوطن إلى الوعي الذاتي، فهي تخترع الوطن حيث لا وجود له” والذي يُعاد تصوره من وقت إلى آخر فهو ليس بواقع مستقر (أندرسون 2006، هوبسباوم 1983)، ودور الدولة الحديثة هو خلق وسجن التصورات الخاصة بهوية ما بعد الاستعمار لانتاج خطاب وطني كسلعة تباع مع الأوهام التي تلازمه بغض النظر عن اختلاف عنصر وتاريخ الأقليات التي تشكله، فالدولة تعتمد على الولاء العنصري والذي يكبر من فرعنة ذاتها كأمريكا مع أنها تتجاهل العديد من الأقليات مثل الفقراء والأيتام والنساء وخصوصًا الهنود الأصليين فهي تعتبرهم عبئًا على المجتمع، وغير مفيدين من حيث الانتاج الوطني والدولي والرأسمالي بما أن شعار الحياة “الحديثة”، كما يحب سادتنا أن نسميها، أصبح : المال والأسرة والانتخابات، وهي بالضبط الحدود المُعسكرة.

في النهاية فإن السيطرة على، وإدارة الحياة هو المفتاح لنهج الليبرالية الجديدة وهو الحكم الذي يمارس من خلاله ال Biopower، لن أناقش هنا حنة أرندت Hannah Arendt وفكرة الـ Natality (كمفهوم للـ Biopower) ولا كارل شميت Carl Schmitt ولا ڨيلهلم رايش Wilhelm Reich مع كونهم ذوي أهمية لفهم تفاصيل الـ Biopower والـ Biopolitics، وليس هنا مجال مناقشة معانٍ جديدة للـ Biopower/Biopolitics وقدرتها التدميرية من خلال ما يُسمى بالـ Thanatopolitics أو حتى ما يُسمى بالـ Necropolitics، مع مراعاة إن الـ Necropolitics متعلقة بواقع أن تقنيات الدمار قد أصبحت ذات علاقة وثيقة مع ما يحس ويلمسن وأكثر تشريحية في سياق الخيار بين الحياة والموت، أم الـ Thanatopolitics فهو منهج ذبح الملايين من السكان من خلال استخدام الآلة العسكرية أو المُجمع الصناعي العسكري (والذي كفكر أصبح الجيش المصري مبنيًا عليه بغض النظر عن سذاجة المصريين الذين يختلفون مع هذا الرأي والمتأثرين بوهم الذكريات البهيجة لهذا الجيش أثناء حروب 1948، 1956، 1967، و1973 فالجيش قد شهد إصلاحات هيكلية وأيديولوجية منذ ذلك الحين نظرًا لأنه يسيطر على نسبة سرية  غير معروفة من الاقتصاد المصري التي تقدر ما بين 15 الي-40%، وهذا بغض النظر أيضًا عما يدعيه من ولاء خاص به فمصالحه مرتبطة بالولايات المتحدة وأمن إسرائيل نظرًا للمعونة العسكرية التي يتلقاها من الأولي (التي وبرغم الأنباء عن تعليق جزء كبير منها فطبقًا لتلك الأنباء نفسها ستستمر في إطار مكافحة الإرهاب في سيناء وضمان أمن الحدود الإسرائيلية) والتي لا يمكن للجيش أو بالأصح جنرالات الجيش العمل من دونها، ولهذه الأسباب البسيطة وأكثر ففي الواقع فإن الجيش المصري قد دفع ثمنه وتم بيعه منذ زمن طويل.

أما بعد وكما قلت مرات عديدة في عملي على الأناركية الإسلامية، فالفاشية قد فازت بالفعل ونحن جميعًا فاشيين من خلال الامتيازات التي نتمتع بها في علاقاتنا، نحن فاشيين حتى نبدأ تفكيك ومكافحة هذه الـ micro-fascisms أو الفاشيات المتناهية في الصغر داخل أنفسنا وداخل الآخرين، أما السبب وراء كل هذا الكلام النظري على الإطلاق، فهو لتوضيح، إذا كان ذلك ليس واضحًا بالفعل، تعقيدات وخطورة الموضوعات التي يجب علينا أن نفكر فيها في تحليلنا لأوضاعنا الجارية والراهنة، فالكارثة الحقيقية هي غياب النقد لفكرة الدولة من الأساس وكأن الدولة واقع وقدر تقبلناه، فعلى عكس وخلاف الطبيعة الثابتة للدولة الحديثة مصطلح الدولة في الحقيقة يدور أساسا حول مفهومها المؤقت، وإنها دائمًا قابلة للتغيير والتناوب والانقلاب (البرغوثي 2008 : 37)، فالدولة ككلمة في الحقيقة لا تعني “الدولة الحديثة” على الرغم من إساءة استخدامها على هذا النحو، فهيَ تمتد من جذر دَوَل، والمستخدم في القرآن الكريم، والذي يشير إلى أي واقع يدل وقابل على التحول لبديل آخر بطريقة دائرية وبالتالي قادر بشكل طبيعي على المرور بحالة ثورية دائمة، فكلمة دولة مشتقة من فعل “دال” الذي يشكلها لغويًا والذي يقع ذاته بين فعل دار (والمتعلق بالدوران) وفعل “زال” والمتعلق بالذهاب بعيدًا أو السقوط (البرغوثي 2008 : 56)، ففي سورة الحشر (59) الآية السابعة، على سبيل المثال، يتحدث القرآن الكريم عن توزيع النبي غنائم الحرب على المحتاجين، بحيث لا تجعل فقط دائرة أو “دولة” بين الأغنياء منا (البرغوثي 2008 : 57)، وأيضًا في سورة آل عمران (3) آية (14)، ينبه الله سبحانه وتعالى إلى الطبيعة الدورية لتقلبات الإنسان، مثل أن يتم إستبدال إنتصار أو صحة يوم بهزيمة ومرض يوم آخر، وبالتالي كمفهوم سياسي عربي وإسلامي، فنحن غيرنا من معاني لغتنا ما قبل الإستعمار لنشبه ونرضي من استعمرنا، ففي النهاية توجد السيادة في الأمة وليس الدولة؛ ولن أناقش هنا التفسيرات المختلفة لفكرة وكلمة “الأمة” لكن سأكتفي بالقول أنها ليست محصورة في المسلمين كديانة أو العرب كإثنية، ولكن، وبالضبط لهذا السبب، كل ذلك  هو ما جعل ما قبل 1798 وخلال فترة ممتدة من التاريخ الإسلامي هناك وجود لعدد وافر من الدول داخل دولة واحدة، تشبه “الكونفدرالية” أو ال Confederacy؛ وهكذا فُسرت الدولة في مقدمة ابن خلدون، كما على سبيل المثال، مع دول مثل الحمدانية والبويهية والإخشيدية والأيوبية والمملوكية داخل الإمبراطورية العباسية، أو دولتي علي بك الكبير ومحمد علي داخل الإمبراطورية العثمانية (البرغوثي 2008 : 58).

نحن بحاجة إلى أن ندرك أنه يجب على الاشتراكية الراديكالية (وخاصة الأناركية) أن تجري حول وأن تجعل من مناهضة العنصرية والتحيز ضد المرأة أولوية بقدر الصراع الطبقي، فقد أثبت التاريخ والخبرات أنه كان خطأ جسيمًا تلبية الحركات الإجتماعية للتعميم السياسي عن طريق فكرة تعيين نضال و فئة أهم من نضال آخر، معالجة الأنظمة الأخرى من القمع، غيرالصراع الطبقي، ذات أهمية عندما يرتبط القمع بقمع آخر وهيمنة بهيمنة أخرى مشتبكة ومما يؤدي إلى آثار مختلفة على أفراد وفئات متنوعة في تشكيلها وتكوينها و مطالبها الثورية، لا يصح ولا نستطيع رفع نضال مجموعة واحدة تعاني على حساب معاناة مجموعة أخرى، ولكن علينا أن نفهم كيفية عمل آليات الرقابة التي تربط معاناتنا جميعا في الواقع سويًا.

في النهاية تنفي الهيمنة وهيمنة الهيمنة العلاقة بين النضال والصراعات الطبقية والجنسية والجنسنة والقدرة (… إلخ) والمتعلقة بمشروعات الاستعمار والإمبريالية البائدة والدائمة إلى هذه اللحظة من تاريخنا في مجتمعاتنا وهي تجعلنا لا نشكك في الأساس في أصل فكرة الدولة وما يصحبها من تفهمات للأبوية الوطنية، فكر الدولة الأوروبية الذي يود أن يستولى عليها ويتبنّاها البعض لجعلها للبروليتاريا ليس مهتمًا بمشروع إنهاء الإستعمار والمرتبط في الأصل بالرأسمالية، وهذا المنطق للأسف قصير النظر يفتقر إلى تخيل طريقة مختلفة لتنظيم وتفكير أفقيين للسياسة والمجتمع والإقتصاد من خلال بدائل مستقلة لاسلطوية الآن بدلًا من مستقبل قادم، والذي على هذا النمط لن يأتِ أبدًا، فمثلما كتبت وأكرر كان من الخطأ تاريخيًا تلبية الحركات الاجتماعية فكرة الحد الأدنى المشترك حيث يتعلق أمر “تيار” نضال سياسي بتفضيل مجموعة واحدة فقط يتم إستغلالها دون دراسة التقاطعات وتفاصيل التحركات بين تلك المجموعة والخصائص والأقليات الأخرى المضطهدة، إضافة إلى أن هذا العامل ليس مجرد عامل ولكنه منتمٍ لفئات ونفوذ وهويات متعلقة بالجنس والسن والقدرة وصفات كثيرة أخرى … إلخ إلى جانب كونه عامل والتي تؤثر على وتره وتركيبته وحتمًا مطالبه الثورية أيضًا؛ فالعامل ليس فئة متجانسة. يجب علينا إذا أن نفهم أن مخالب سيطرة وتواطؤ الحكومة والشركات لها جذور في عمليات الاستعمار والاستعباد، إنشاء التمييز الطبقي أنشأ في الوقت نفسه، تمييز عنصري وتمييز جنسي … إلخ، فلم تكن شركة الهند الشرقية التجارية East India Trading Company ومزارع “العبيد” في الولايات المتحد لاستعباد أي عامل بل لاستعباد عامل خاص، عامل إفريقي (House & Field Negros)، وبالتالي فالعنصر والجنس يشكلان جزءًا من مشروع الاستعمار يجب علينا وضعه عين الاعتبار في تحليلاتنا، فكفى بالشعارات الفارغة والمتناقضة، فعدم تناول الأمور والاهتمام جديًا بدور الدولة هو المنطق الذي أخفى ولا يزال يخفي الشعوب الأصلية (Indigenous peoples كال Zapatistas) في الأمريكيتين ومعظم هذه الشعوب الأصلية (بدون تعميم) على إصرار راديكالي على إنهاء كل ما يتعلق وما جاء مع الاستعمار من خلال معرفة وتجديد تقاليدهم بدلًا من نسخ الماركسية-اللينينية في الصراعات الطبقية وبالتالي خارج منطق الدولة الرأسمالية أوالبروليتارية.

فلا أحد يستطيع أن يدعي أن النضال المباشر من خلال الاضرابات العامة لا طائل من ورائه، فقبل كل شيء، هناك تاريخ كامل من الاضرابات العامة باعتبارها تكتيكًا من المقاومة في تطبيق هنري ديفيد ثورو، وروزا لوكسمبورغ، ونظريات جورج سوريل “للاضراب العام” إلا أنها لا تزال طريقة مقاومة واحدة للعصيان المدني بالفعل استغرق أشكال متنوعة في التاريخ الجماعي للاضرابات العام؛ والتي يعود تاريخها إلى عام 494 ق.م مع انفصال آفينتين في روما القديمة والذي جعل منها ال Tribune of the Plebs (ثورو 1849، لوكسمبورغ 1906، سوريل 1999)، ومع ذلك، فإن ما يُدعى إليه هنا هو ما تشير إليه أرونداتي روي بأنه يجب أن يكون هنالك إستراتيجية حيوية متنوعة من المقاومة أو ما يُسمى بال Biodiverse Strategy of Resistance (1997)، والتي من شأنها أن تشمل بناء بدائل مستديمة “خارج” الفكر المهيمن.

البروليتاريا ليست الفئة الوحيدة المؤهلة للنضال ضد الإستغلال، أو أنه يجب للبروليتاريا قيادة النضال، أو حتى تحديد الهدف والأساليب والأماكن وصكوك النضال عندما يكون الواقع أن كل النضالات تذوب معًا، وخصوصًا عندما يكون كل أولئك الذين يعانون من انتهاكات من السلطة، وجميع أولئك الذين يدركون قوة هيمنتها التي لا تطاق، يمكن أن ينخرطوا جميعًا في النضال معًا، أينما يحدث وأن يتكون ذلك وفقًا لأسبابهم الخاصة حتى إذا كانت سلبية (فوكو ودولوز 2004 : 213)، أن تكون في تحالف مع البروليتاريا ينبغي ألا يعني أن تتبني مواقفها أو أيديولوجيتها ولكن “أن تحمل دوافع حربها” (فوكو ودولوز في 2004 : 213)، الكل، سواء كانوا نساءً أو سجناءً أو مجندين، أو مثليي الجنس أو مرضى في المستشفيات، الكل قد بدأ صراعاته المحددة ضد أشكال السلطة والقيود والسيطرة التي تمارس عليه، ومثل هذه النضالات تنتمي إلى الحركة الثورية اليوم، بشرط أن يتم ويظل نظامها ونضالها جذريًا من دون أي تنازلات أو رغبة في الإصلاح بمعنى reform بل عن طريق التجديد، وبشرط إعادة ضبط نفسها أو الآخرين بالقوة من خلال الشهوة لفرصة القيادة (فوكو ودولوز في 2004 :213)، مرة أخرى.

لا شك، تنجح الاضرابات العمالية مرات في حماية الوظائف أو خطط التقاعد، ولكنها مع ذلك، في نفس الوقت، تشرع السياسات والتوجهاتالتي تخلق البطالة فهي لا تخلق بدائل، اضرابات ونضالات العمال هي فقط فرامل مصممة لإبطاء وتيرة التحول أو تقليل أضرار الليبراليةالجديدة ولكنها لا تتحدى مشروع الليبرالية الجديدة نفسه أو مؤسساته، إضرابات ونضالات العمال تتحدى فقط الطريقة التي يجري بها تنفيذالليبرالية الجديدة وعدم مساواة فوائدها وآثارها.

هيمنة الهيمنة مرتبطة بنفس المنطق الذي نشأ تحت رعاية مذهب ال Manifest Destiny والتي أدت بالعديد من المستوطنين الأوروبيين إلى الإعتقاد بأن الله نفسه بارك نمو الوطن الأمريكي على حساب الإبادة الجماعية للشعوب الأصليين في الأمريكتين واعتبارهم وثنيين في حاجة إلى التحضر، هيمنة الهيمنة هو جزء من نفس المنطق الذي أعطانا مفاهيم وممارسات الحداثة على نحو الرأسمالية، والدولة الوطنية، والسجون والمجمعات الصناعية العسكرية التي قمنا ببناء دولنا “ما بعد الإستعمار” على أساسها، كان هذا هو نفس المنطق المتصل بمبررات التنوير أو ال Enlightenment، ومحاولات فرض شروطها وإجبار المستعمرين متابعة “العلمانية الحديثة” التي تعمل على ثنائي زائف “كالإسلاموية و العلمانية”، أو حتى الإختيار بين الهوية والولاء إلى مشروع الأمة العربية أم الأمة الإسلامية، وجميع ما يتتبعهما من أفكار ويتعلق “بالحرب على الإرهاب” أو “The War on Terror” والصراعات التي سماها صامويل هنتنجتون Samuel Huntington بصراع الحضارات Clash of Civilizations أو بعبارة أخرى أن الإسلام ضد الغرب ويتنافى مع الحداثة الليبرالية وقيمها من الديمقراطية والحرية، والآن يستخدم الكثير منا مصطلحات مثل “الإسلام السياسي” و”الإسلامية” دون فهم ما تعنيه هذه المصطلحات، أو علم أصول هذه الكلمات، فقد استوعبت هذه التركيبات الاستعمارية وما أُثير من صور غربية ونوايا منها في أنفسنا.

فإذا كان المقصود بالإسلام السياسي (هو “الإسلاموية”)، إذًا فيجب أن يكون واضحًا أن هذا المصطلح ليس فئة متجانسة وأن هذا المصطلح مصطلح إستعماري، ظهر في الحقيقة أول القرنين السابع عشر والثامن عشر في أعمال مثل مسرحية Fanatisme لڨولتير Voltaire كمرادف– Islamismus- للإسلام مثل بنيات أوروبية أخرى مثل Mohammadanism، ومع ذلك فقد كتبت وجادلت بأن الإسلام هو سياسي بطبيعته مثل أي حركة دينية، من خلال الركائز الاجتماعية له لأنه أسس في الأساس لمعالجة  دون إكراه في الدين ودون تأسيسه كمؤسسة – علاقات وقضايا تتعلق بالعدالة الإجتماعية (مثل تحريم الفائدة وتصورات راديكالية غير رأسمالية لمفهوم ما يسمى بالممتلكات الخاصة والعامة ووظيفة رمضان وما يتليه من ذكر للشهور المقبلة من حيث التضامن مع المظلومين والفقراء، إن لم يكن أيضًا أهمية الشورى والإجماع والمصلحة ومفهوم كلمة خلفاء المستخدمة في صيغة الجمع في القرآن الكريم مقابل شكله السلطوي المفرد، والأحاديث النبوية والدعوة للمساواة العرقية، والآيات القرآنية التي تتناول قضايا حقوق الجنس واليتامى وأبناء السبيل والغرباء وغيرالمسلمين، سواء كانوا من أهل الكتاب أم لا، وأنا بالتأكيد لا أقصد تجانس الإسلام هنا، كما يفعل الكثير منا، مع ال 73 تفسيرله أو نحو ذلك)، الذي يجب أن يحدث هو إعادة تعريف الإسلام من حيث الخطوط العريضة والتوجهات المبنية علي أصول وسياسات من قبل ممارسيه، في رأيي نحو الأناركية وغيرها من أشكال التنظيم الذاتي والأفقي، وهذا النموذج الذي أتحدث عنه يقف جنبًا إلى جنب مع نماذج أُخرى مثل : christian-anarchism, jewish-anarchism, buddhist-anarchism, anarcha-feminism, anarcho-indigenism, queer anarchism, anarcho-syndicalism, ،poststructuralist anarchism or post-anarchism, anarcho-primitivism, African-anarchism, Cuban-anarchism, and panther-anarchism، لا تخلص من الدين في السياسة أو من السياسة في الدين [وبدون أخذ مفهوم ضيق للدين، فرضه على الآخرين أو تأسيسه كمؤسسة دينية أو كوسيلة لتبرير نظم عنصرية وفاشية]، بدلًا من هذا الهراء يتحتم الأمر أن يكون هناك خطاب قريب إلى ثقافتنا، خطاب قادر على تحويل التجربة الروحية التي لم نعشها بعد، والتي، مرة أخرى، لها علاقة بظروف وتاريخ مجتمعاتنا، ولتلك العلاقة الوطيدة مع الدين، إلى قوة ثورية، لهذا السبب إخترت الأناركية الإسلامية التحريرية لتمثيل مثل هذه القوة، على الأقل بالنسبة لي أو بقدر ما يستطيع أن يستفد منه الآخرون، المسلمون والعرب بحاجة شديدة إلى إنهاء استعمار هوياتهم، وخطاباتهم، وتقاليدهم، أنت لا تقتل الله كما قال نيتشه Nietzsche دون ظهور آلاف مؤلفة من الدهماء، للقتال بين بعضهم البعض، على مساحة قوة وسلطة الله الذي قتلناه، قتل فرعون أو إله لا يدمر فراغ سلطة الله وقوته، فإن كان الآن مجموعة تكفر الأخرى ويرونهم مفسدين في الارض رافضين لحكم الله، في حين أن هذه المجموعة الأخرى يرون أن المجموعة الأولى كلهم إرهابيين يستحقون الموت فيحلوا قتل المجموعة الأولى، فقد فازت الفاشية بالفعل؛ فالسابقون دمويون باسم الشرعية والبقية دمويون باسم وطنية ناتجة من فكر إستعماري، لهذا السبب لا يهمني إذا اختار شخص ما أن يسمي ويثني علي نفسه هوية مسلم أم لا فالذي يجذب إهتمامي أكثر هي الأصول والسياسات التي كان ينبغي أن توجد مع والتى تعتمد عليها تلك الهوية أو أي هوية أخرى،  فليس هناك شيء إسمه الإلحاد النقي أو الكامل، بالنظر إلى أن جميعنا نؤمن بشيء أو آخر؛ برمز يعتمد عليه قيم معينة والذي يتطلب منا أن نكون مستعدين لأن نضحي بأنفسنا له؛ فهذه القيم أعظم منا وهي تقدم توجه للحياة، للحب والمودة والموت وهي التي في النهاية لها الحكم علينا من خلال رموزها وولائنا لقيمنا.

في النهاية…

إذًا يا مسلمين يا عرب و يا مصر … كيف سنمضي من هنا وفي أي اتجاه ؟ فهنالك إجماع على ضرورة الإستعجال، من كوارث وشيكة، ولكن ما النمط الذي سنتخذه؟ فإن الكثيرون منا يعتقدون أنه إذا تم تغيير مشغلي النظام سيتم حل هذا الوضع، ولكن هذا هو مجرد وهم، نحن بحاجة للعمل معًا على الفور والنقل إلى خلق مجتمع أبعد من واقعنا الحالي، وربما تكون البداية هي أن نستبدل الأسماء بأفعال، فإذا قلنا “العلم”، فنحن نقدم أنفسنا لشخص يثقفنا، ولكن إذا قمنا بالتغيير إلى فعل ‘نتعلم’، نستعيد القدرة لأنفسنا للتعلم، وبهذه الطريقة نستبدل الصحة بالشفاء؛ كيف يمكننا شفاء أنفسنا؟ كيف يمكننا تفكيك جهاز الدولة من القمع إلا بجعل هذا الجهاز لا صلة له بالموضوع، الإنتاج الرأسمالي والإستغلال – كيف نقضي عليهما؟ عن طريق تقليل حاجتنا لهم للوجود، نحن في بنية قائمة على الهيمنة ولكن كيف يمكننا حل هذا الهيكل على وجه السرعة؟ بجعله لا لزوم له، ومن ثم كل شيء سوف يأتي في مكانه، بعد كل شيء، الاكتفاء بقول ‘لا’ ليس كافيًا، فهذه ال ‘لا’  يجب أن تكون مصحوبة بخلق بدائل.

فنجاح أي مجتمع رأسمالي يتوقف على قدرته على الإستفادة من مختلف أشكال القهر السيميائي، ولذلك نحن بحاجة إلى أن نسأل كيف تؤثرهذه المعلومة على طرق تعبير وتوحيد النضالات التي تحدث على عدة جبهات مختلفة مما تضم من صراعات تقليدية وسياسية، من نضالاتمجموعات عرقية مضطهدة، من نضالات لغوية، ونضالات من أجل أحياء آمنة ، أي نضالات من أجل إحداث تغييرات في الحياة الأبوية الأسرية ونضالات من أجل القضاء على أشكال القهر التي يعاني منها كل زواج من جنسين مختلفين وعلاقات مثليي الجنس، لذلك فإنه من المستحيلتصور فاشية[8] دون محاسبة ومحاربة مميزاتنا التي لها وجود بداخلنا من كثرة القوات الفاشية الجزئية التي يتم دعمها دائمًا والتفاعل بالفعلمعها من لحظة ولادتنا و بعضنا البعض، لذلك فهنالك الفاشية الريفية والمدنية والحي الفاشي والفاشية الشبابية، وفاشية اليمين و اليساروفاشية الحق وفاشية الأسرة، والمدرسة،  حيث تعرف كل فاشية من قبل الثقب الأسود الصغير الذي له خصوصياته المتعلقة به والذي يتواصلمع الآخرين، قبل تجمعهم في ثقب أسود مركزي كبير يسمى بالدولة الرأسمالية
ولذلك كتبت هذا وما كان في رأيي ضروريًا   حقًا ‘إن دولة الظلم ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة!

فنحن نواجه الآن سياسة لا تعكس عمق التحليل، وقد فسحت هذه السياسة الساخرة المجال لانتشار ليس فقط نشاط الإنترنت، ونشطاء الإستوديو، ومحللين تطلق لهم تقييمات زائفة لتعزيز ذاتهم، ولكن أيضًا سماح المتحكمين والمعارضة الموالية لهم من الحصول على المال للسيطرة على الحوار العام الذي يقلل من جدية قضايانا وتحويل شهدائنا لنكات. وأمام هذا الوضع ليست المهمة الثورية إسقاط الإخوان فقط بل إسقاط كل أجنحةالطبقة الحاكمة والمالكة سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة .ولا شك إن هذا لا يخص مرسي وتياره وحده فهنالك قطاع عريض من القوىالسياسية تنظر للثورة بإعتبارها مجرد إنقلاب سلطوي يتبع تنصيب مستبد عادلو يظل الأخطر صعود فاشية شعبوية تتبنى مطالب شعبية،من عدالة إجتماعية وعداء للإمبريالية، ولكنها تعزل ذلك عن أي ممارسات ديمقراطية …حتي تفوق الفاشية بالفعل، ليسقط  إذامن خان عسكروداخلية وإخوانيسقط من يخون وسوف يخونليبراليين، فلول ,ناصريين ,سلفيين، ألخ… إن لم يكن كل أحد منا حتيالراديكالينالإشتراكيين الثوريين و الأناركيينمتواطئ في وعيه للإستعمار الجاري في تحلليلاته السياسية)… وفي النهاية ودائمًا تحيا فلسطين

الثورة لن تصل اليوم، أو غدًا، وإنما بعد غد…

دعونا نلقي السيطرة على حياتنا معًا، يدًا بيد بعضنا بالبعض، خارج هيمنة الرأسمالية والدولة الوطنية، وليسأل بعضنا البعض ماذا يعرف كل واحد منا، حتى نتمكن من السير معًا، دون ترك أي أحد خلفنا، وهذا هو المجال االمقترح، حتى نتمكن أن نبني معًا بروح ورحمة ومحبة وتواضع عالما آخر للأجيال القادمة والتي قد وصلت بالفعل من اللانهاية كي تمثل الأسهم التي نطلقها أبدًا خالدة.

يستمر الكفاح، وإيمان كهذا ليس للبيع

***
ما هو بمنفعة في هذه الوثيقة هو من عند الله وتلك الحركات والأرواح التي لانهاية لها التي أدركتني
وعلمتني
***
مراجع مختارة :
Al-Barghouti, Tamim, The Umma and The Dawla: The Nation State and the Arab Middle East, Pluto Press, 2008
Deleuze, Gilles, Negotiations: 1972-1990. Translated by Martin Joughin, New York: Columbia University Press, 1995
Essays Critical and Clinical. Translated by Daniel W. Smith and Michael A. Greco, Minneapolis: University of Minnesota Press, 1997
Deleuze, Gilles, & Guattari, Félix, Anti-Oedipus: Capitalism and Schizophrenia. Translated by Robert Hurley, Mark Seem, and Helen R. Lane. Minneapolis: U of Minnesota Press, 1977
A Thousand Plateaus: Capitalism and Schizophrenia. Translated by Robert Hurley, Mark Seem, and Helen R. Lane, Minneapolis: U of Minnesota Press, 1980
Gandhi, Leela, PostColonial Theory – A Critical Introduction, St. Leonards, N.S.W, 1998
Affective Communities: Anticolonial Thought, Fin-de-Siècle Radicalism, and the Politics of Friendship, (Politics, History, & Culture), Duke University Press, 2006
Fanon, Frantz, Toward the African revolution: political essays (New York: Monthly Review Press, 1967,Black Skins, White Masks, New York: Grove Press, 1967
Foucault, Michel, Discipline and Punishment: The birth of the Prison, New York: Vintage Press, 1979
1980 The History of Sexuality, New York: Vintage Books
The Essential Foucault: Selections from Essential Works of Foucault, 1954-1984 New York: New York University Press
[1] Glenn Coulthard, Friedrich Nietzsche, Andrea Smith, Leela Gandhi, Gayatri Spivak, Jacques Derrida, Jasbir Puar
[3] لمعرفة أكثر عن الأناركية يُرجى الإطلاع على مقالتي محمد بامية :
و فلسفة اللاسلطوية وثقافة الثورة : http://www.jadaliyya.com/pages/index/3272/
أو ياسر عبد الله : http://www.antiimperialista.org/de/node/6824
[4] للحصول على مقدمة وجيزة إلى الزاباتيستا انظر/ي http://www.zapatistarevolution.com
أيضًا مقال جون هولواي هنا   http://www.squiggyrubio.net/documents/hjsr/HollowayZapatismoUrbano.pdf
لمعرفة المزيد عن ما يشار إليه بأصول الاختلافات وسياسة الصداقة والتآلف.
[6] اطلع على الأطروحة حول الإسلام والأناركية — أو ما يشار إليه بـ Islamatismo  أو  anarca-Islam
تحولت الأطروحة إلى كتاب سينشر هذا العام انظر/ي http://www.akpress.org/islam-anarchism.html
[7] من الجدير بالذكر هنا التفرقة بين العقائد Morals والأصول Ethics. “أن لا تقتل” هي عقيدة ولكن إذا هددني شخص و هدد مجتمعي فمن مسؤليتي وحقي وأصولي أنا ومن معي الدفاع عن النفس. لن أدخل هنا في المعاني المختلفة والمتعلقة بالدفاع عن النفس، وتفاصيل علمية ونظرية بالنسبة للسلمية والعنف والتي أتحدث عنها بعمق في كتابي الذي سيتم نشره هذا العام. للمزيد من التفاصيل عن الكتاب انظر/ي هنا:http://www.akpress.org/islam-anarchism.html
[8] لمزيد على هذه النقطة المحورية يرجى قراءة مقال أسعد أبو خليل هنا